سأبدأ بتجربة شخصيّة لأستدلّ بها، ثمّ سأتكلّم بوجه عام:
أخذت والدتي من عملها إجازة وأنا في الرابعة من عمري، لتأخذنا ونسافر إلى والدي في ليبيا..
وعند عودتها رفضت تماما ونهائيّا أن تعود لعملها، فسألها والدي:
-هل أنت متأكّدة؟.. لئلا تعودي وتدعي أنّي دفعتك لهذا!
فكانت مصرّة على رأيها قطعا، فعلى حسب رأيها، لم تشعر بقيمتها وكينونتها، إلا حينما استراحت من قرف الشغل ومشاكله!
طيب.. هل معنى هذا أنّ والدتي لم يكن لها أيّ دور في الأسرة؟
حتما كلا..
فقد كان والدي يوكلها لقضاء كثير من الأعمال الهامّة، كاستخراج المستندات الحكوميّة، أو شراء البضائع لمحلّ تجاريّ صغير كان يخصنا... إلخ..
هذا بخلاف أنّها كانت تذاكر لنا وتتابعنا..
وحينما كان والدي ينشغل عن المحلّ، كانت تتولّى شئونه بدلا منه..
وكنت في هذه الفترة أجلس معها لتقوم بتحفيظي القرآن الكريم، الذي أعتبره أفضل شيء حدث لي في طفولتي.
شيء واحد فقط أعيبه على والدتي: العصبيّة.
إنّها أحنّ أمّ على ظهر هذه الأرض.. ولكنّ تحمّلها للمسئوليّة باكرا (فقد كانت أكبر إخوتها، وتولت مسئوليّة أسرتها بعد سفر جدّي للخارج) قد جعلها تتعرّض لضغوط الحياة، مما أزاد توترها وعصبيتها..
وهذه نقطة هامة يجب أن نراعيها في تربية بناتنا:
لا نريدهنّ مجرد عرائس حلوى بلا تأثير.
ولكن أيضا لا نريد أن نحملهنّ أكثر من طاقتهنّ، ممّا يؤثر على هدوئهنّ وصفائهنّ.
من كلّ هذا نستنتج ما يلي:
1- لم تكن والدتي "عاملة" بالتعريف الحديث لهذه الكلمة.. ولكنّها كانت ـ وما زالت ـ تقوم بأدوار كثيرة متداخلة، دون أن تهمل واجبها الأساسيّ كربّة بيت.
2- في معظم ما كانت تفعله والدتي، كنّا نرافقها، ولم نكن نغيب عن أعينها إلا لفترات قليلة.. هذا مستحيل في صيغة العمل الرسميّ اللعينة، التي تقضي أن تغيب المرأة عن بيتها وأولادها لمدة 8 ساعات يوميا، دون أن يكون لديها أيّ حرّيّة في تنظيم العمل تبعا لما يناسبها، بل على العكس، تنظّم حياتها وحياة أولادها تبعا لما يناسب العمل!
3- لا خلاف أنّ النساء كنّ يعملن طوال التاريخ، ولكن لو نظرنا لعملهنّ، فسنجده "عملا حرّا" يسمح للمرأة بقضاء الوقت الأغلب في بيتها، وحين تعمل فإنّها تساعد زوجها في حقله (بجوار البيت)، أو ترعى غنمه (بجوار الخيمة)، أو تدير تجارة لها (عن طريق المساعدين الأمناء دون أن تغادر البيت)، أو تذهب للسوق مرّة كلّ بضعة أيّام لبيع بعض المنتجات، وفي الغالب تحمل رضيعها أو تصطحب أطفالها الصغار معها.. هذا هو العمل الحلال، ولا خلاف فيه.. فهل يشبه هذا من قريب أو من بعيد المؤسسات الحديثة، التي تصطاد المرأة يوميّا لمدّة 8 ساعات، دون أن يحقّ لها المغادرة لمتابعة أبنائها، ودون أن يسمح لها باصطحاب رضيعها أو أطفالها الصغار (طبعا سيتم رفتها لو حدث ذلك!!!!!!)؟؟؟
إنّ اليوم 24 ساعة:
8 على الأقلّ للنوم..
8 على الأقلّ للعمل للرسمي (دون حساب وقت المواصلات)
تتبقّى 8 ساعات، المفروض أن تفعل فيها المرأة ما يلي:
تستريح من عناء العمل!!
ترعى شئون المنزل، وتشرف على شئون التسوق وغيرها..
ترعى شئون أبنائها (كان عددهم ما كان): تراقب سلوكهم، وتتحاور معهم لفهمهم، وتحكي لهم خبراتها لغرس أفكارها بنفوسهم، وتذاكر لهم واجباتهم، وتحلّ لهم مشاكلهم، وتتحمّل كوارثهم التي لا تنتهي..... إلخ!
ترعى الزوج وتخفّف عنه عناء العمل(!!)، وتتزين له وتوفر المناخ الذي يحبّه.
تقرأ وتتثقّف لتطوير عقلها وتفكيرها..
تمارس هواياتها الأخرى..
تمارس العبادات وتتلو القرآن وتتفقّه في الدين..
تشاهد الأفلام والمسلسلات!!
((ترغي)) في الهاتف، وتبحر في الإنترنت..
تزور الأقارب وتحضر المناسبات الاجتماعيّة..
تخرج للتنزه مع زوجها أو أولادها!
واضح تماما، أنّ الادعاء بأنّ المرأة العاملة تستطيع التوفيق بين عملها وبيتها وزوجها وأولادها هو ضرب من الأوهام، التي ثبت فشلها في كلّ مكان بالعالم فعلا وقطعا وبصورة كاسحة!!!!
وأنا أعلنها صراحة:
التي تعطى الآخرين في العمل الرسميّ العقيم 8 ساعات يوميّا، بينما لا يحصل منها كلّ ابن من أبنائها سوى على بضع دقائق، هي امرأة مذنبة في حقّ نفسها وأولادها ومجتمعها، وسيحاسبها الله سبحانه على تضييع أمانتها ولا شكّ.. ألم تسمعوا الحديث الشريف:
"والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها"؟
ثمّ ألا يكفي الحديث الشريف:
"لا ضرر ولا ضرار"
لتحريم هذه الصيغة المريضة من عمل المرأة؟؟
المصدر : المرأة