السعوديّة: كيف حل بنا الفقر والبطالة؟

   السعوديّة: كيف حل بنا الفقر والبطالة؟
  •    السعوديّة: كيف حل بنا الفقر والبطالة؟
1 صورة

غالبا ما يصور الإعلام الغربي أبناء الجزيرة والخليج عندما يشاهدونهم في أوروبا، بأنهم براميل نفط متحركة مليئة بآلاف الدولارات.. فمن يصدق من هؤلاء أن بلادنا تناقش ـ وعلى أعلى المستويات ـ ظاهرة الفقر؟.. وعندما تكون ظاهرة فإنها إشارة إلى طفح مستشرٍ لا يمكن تجاهله!



تلازم موضوع مناقشة الفقر مع موضوع البطالة، فأكثر الفقر يأتي من البطالة.. ويبقى أصحاب الاحتياجات العامة وفاقدي المعيل يشكلون نسبة صغيرة بامكان الدولة تغطية عوزهم، وكذلك المحسنون والذين غالبا ما يساهمون في سد عوز هؤلاء أكثر من الدولة التي يكون عطاؤها لا يسمن ولا يغني!



إن موضوع الفقر والبطالة يعود بنا إلى نشأة هذه الدولة السعودية منذ بدايتها في أوائل القرن العشرين.. فقد استلمت العائلة الحاكمة شعب الجزيرة العربية بصفته المكافحة.. كفاحه كان بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة وامتداد الصحاري لمساحات واسعة، والتي يرافقها قلة في الموارد المائية.. ويضاف إلى ذلك كفاحه ومعاناته مع كثرة الحروب الداخلية التي عاشها أبناء الجزيرة العربية، حيث راح العديد منهم وأصيب وأعيق الكثير.. إضافة إلى المرات العديدة التي دُمرّت فيها المدن والقصبات، مما أثّر على نفسية وتنشئة المواطن في الجزيرة العربية.



بعد هذه المعاناة وسنوات القحط التي عاشها شعبنا، ظهر النفط في منطقة الخليج والجزيرة ليشكل عاملا نهضويا، ظهرت ملامح تأثيره في أواسط القرن الماضي، وبشكل أكبر في الثلث الأخير منه.. وحسب التسميات الاقتصادية ووفق العرف العالمي، صُنف بلدنا ضمن طبقة الأغنياء، وذلك لسعة المردودات تبعا للفائض الكثير، جرّاء تصدير النفط.



هنا كانت النقطة الفاصلة التي لسببها يتحمل بنو سعود المسئولية التاريخية، والتي ظهرت مؤخرا كظاهرة تعرف بالفقر والتي تلازمها البطالة.. ترى كيف تكوّنت، وكيف امتدّت من خمسينات القرن الماضي، لتلقي بظلالها إلى أوائل القرن الحادي والعشرين، لتشكل كارثة اجتماعية بدأت تتطور بشكل لا تسعه برامج الحكومة ولا المعالجات الحالية؟



لو تركنا السنوات الأولى لبداية ما يسميه المتابعون لاقتصاد الجزيرة العربية بـ فترة التطور والرخاء، وأخذنا الثلث الأخير من القرن العشرين.. ترى ما هي السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الدولة وهي تتلقى المزيد من العائدات المالية؟



وكيف تمّ التخطيط لبناء بلد يجب أن يحسب للمستقبل ألف حساب، ويعتني بلغة الأرقام الإحصائية؟



وهل تمّت وقاية المجتمع من علل وآفات تدفق الأموال بهذه الكيفية التي سال لها لعاب بني سعود، ليبدأوا رحلة تضييع الأموال، واعتبار قسم منها هبة للعائلة الحاكمة، والباقي يصرف دون تخطيط يعتمد النظرة المستقبلية، خاصة وأن النفط عندما يظهر في مكان ما على الأرض تصاحبه ظاهرة الخوف من نضوبه، وهذا جرس إنذار يشجع الدول النفطية على التخطيط المسبق وفق النظرة العلمية؟



لقد كان بالإمكان تأهيل ابن البلد للعمل في المشاريع الجديدة، تبعا لصفة الكدح التي امتاز بها، عوضا عن صرف الأموال بطرق تشجع شعبنا على التراخي في عمله، والانسحاب قبالة الأيدي العاملة الأجنبية، وتعمّد الحكومة أن تجعله يتلذذ بنشوة الرخاء المادي، وإغراق السوق بسلع استهلاكية لتتقوى في المجتمع ظاهرة الاستهلاك على حساب مطلب التأهيل المستقبليّ، الذي كان يجب أن يحسب له حساب منذ البداية.



انظر إلى اليابان وإلى ألمانيا فما نحن بأغنى منهم.. هل هم شعب بنى دولته على أيدي أجنبية 100%؟.. لقد تجاوز هؤلاء الخطر الذي نحن فيه، بالتأهيل الاجتماعي لمواجهة الحياة، واعتماد ابن البلد كمادة أساسية للبناء.. نعم تنقصنا الخبرات النوعية، ولكن ما كان يجب أن يستمر هذا لهذه الفترة الطويلة، مع إيجاد جيش من العمال الأجانب حتى من غير المهرة وفي أبسط الأعمال، والتي ربما وجد ابن البلد يخاف من نظرة المجتمع له لو مارس بعضا من أعمال الأجانب!!.. بل وامتد ذلك ليجعله يعتمد على الخدم في المنازل كظاهرة اجتماعية!



كان بإمكان الدولة أن توجّه عقلية المواطن لتجعله معتمدا على نفسه داخل المنزل وخارجه.. لا تفكر ربة البيت في أن أول ما تمارسه عندما تشعر بالرخاء المادي هو وجود خادمة تقضي كافة أعمال المنزل مع سائق تحت الطلب.. وهكذا كانت بقية معاملنا وأسواقنا.. تركها ابن البلد لصالح العمالة بأثر من البرامج الحكومية ذات النظرة القاصرة.



وعلى ضوء ذلك فإن بني سعود أفسدوا حياتنا الاجتماعية بالتقصير الاقتصاديّ، وأدوا إلى ظهور عادات اجتماعية معظمها سيء، مع انتشار ظاهرة الفقر والبطالة التي نعاني منها في الأساس.



وكذلك فإن الأساليب الاقتصادية الحكومية غير المدروسة ساهمت وتساهم في نشوء مراكز قوى اقتصادية محلية.. طبقة واسعة من الأثرياء جدا، يُظهرون البلد على المستوى الإعلامي، بأنه بلد الرخاء والنمو والتطور.. في حين أن هذه طبقة تعمل دون رقيب.. في حين أنّه إذا تمّت مراقبة أعمالها ومطالبتها ببرمجتها وفق الحاجة المحلية، فان هذا يساهم في تقليل جيش العاطلين، وضخامة حقوق عديمي المعيل.



وعلى طريقة إشعال الشمعة في هذه الظلمة السعودية القاتمة، لا بد للقوى الفاعلة في المجتمع، من أن تعتمد على نفسها لإنقاذ البلاد من هذه الفوضى الاقتصادية، من أيدي 6000 فرد من بني سعود، كل له حصته دون طائل.. ويُعتقد أن الظرف مناسب الآن للضغط أكثر على النظام، لاستحصال حقوق الشعب منه على ضوء دستور جديد فعال، يساهم في تفعيل طاقات المجتمع كافة، لتأهيل جيش العاطلين عن العمل، ولردم الهوة الاقتصادية التي ولدت لتتسع!



تعليقات:




  1.  من وجهة نظري، هناك عامل أخطر، هو الذي استنزف ثروات الخليج عموما.. ذلك هو دفع فواتير الحروب التي دارت في المنطقة في نصف القرن الماضي.. فإذا كانت حروبنا ضدّ إسرائيل حتميّة، فإنّ الحرب ضد إيران، واحتلال الكويت وتحريره والاحتلال الأمريكيّ للعراق، ودفع فواتير ((الحماية)) الأمريكيّة للخليج، كلّ ذلك اجتفّ ثروات المنطقة، على حساب التنمية.

  2.  لم تكن العمالة الأجنبية كارثة على الخليج بمفرده، ولا سوء تخطيط من حكوماته وحدها.. فقد أثّر ذلك أيضا على الأسر العربيّة التي هجرها عائلها، لتنشأ أجيال تفتقد دور الأب في التربية.. وفي ظلّ النقود التي يرسلها لهم كتعويض عن افتقادهم له، فسدت هذه الأجيال، وشاع الانحراف في المجتمع!.. ليس هذا فقط.. بل إنّ الحكومة المصريّة منذ نهاية السبعينيات توسعت في التعليم الجامعيّ رغم عدم توفر البنية التحتية له، ((لتصدير)) الخريجين للخليج للحصول على العملات الصعبة.. وهو ما نسف بقايا التعليم المصريّ نسفا، وفاقم مشكلات البطالة بشكل مذهل (بعد تقلص فرص العمل في الخليج في منافسة العمالة الآسيوية الأرخص)!

  3.  وما يمكن اعتباره أكبر جريمة ارتكبتها حكومات النفط، هي تهاونها في العقود الثلاثة الأخيرة عن بناء نهضة علميّة وتكنولوجيّة وثورة صناعيّة عربيّة.. كان سيكفينا فخرا أن يتحوّل الخليج إلى يابان عربيّ.. ولكنّ الذي حدث هو إهدار النقود في مظاهر البذخ والعمران والترفيه.. حتّى وصل الضعف والهوان لأن يوالي الخليج الأمريكان، ليتحوّل إلى قواعد عسكريّة لهم، تُحتلّ منها الدول العربيّة والإسلاميّة المارقة!

  4. ولا يقُلْ أحد: لم يكن لدينا كوادر!.. فالكوادر كانت تملأ الوطن العربيّ، وكنتم تستطيعون استحضارها وتوفير المعامل والجامعات وإمكانيات البحث العلميّ لها (بدلا من هجرتها لأمريكا التي تبيدنا).. أو على الأقلّ إنشاء جامعات ومراكز بحث علميّ خليجية في الدول العربيّة!.. ولكن للأسف.. ضاع هذا الحلم، وسبقتنا الكثير من أمم الأرض، وظللنا نحن في مواضعنا.. بل تدهورت أحوالنا، وتراجعنا القهقرى، وانتعش اقتصاد أعدائنا بنقودنا، ودمّرونا بمعاونتنا!



إنّني لا ألوم الشعوب..ولا أهاجم حكومات الخليج وأُعفي غيرها..فالبلاء عامّ، ونحن في أرذل أحوالنا..والله وحده يعلم كيف سيبدأ التغيير.



إقرئي أيضا

تابعي أهم وآخر الأخبار على مجلة المراة