تأخر سن الزواج للشباب، الأسباب والنتائج

تأخر سن الزواج للشباب، الأسباب والنتائج
  • تأخر سن الزواج للشباب، الأسباب والنتائج
1 صورة

كغيرها من الظواهر الاجتماعية، كانت العنوسة أو تأخر سنّ الزواج، مادةً للبحث والإحصاءِ من قبل المختصّين في علم النفس والاجتماع، من أجل تبيانِ أسبابه، سيّما أنّ الزواجَ يُعدُ ركيزةَ المجتمعِ وعماد استمرار وجوده.



“العنوسة”



عادةً لا تستسيغُ الفتاة كلمةَ “عانس” كإشارةٍ إلى تأخر زواجها، أو أنّ العمر تقدّم  دون أن يطرُق بابها من يرغبُ في الارتباط بها، غير أنّ المصطلح شائعٌ عند  معظم الناس وأغلب وسائل الإعلام، وتُستخدم للتضخيم والتعبير عن مدى انتشار الظاهرة وتوسعها بين طبقات المجتمع، وذلك دون مراعاةٍ لما يخلّفه اللفظ من آثار نفسية ودلالات سلبية على المرأة.



لذلك يطالب مهتمون بعلم النفس الاجتماعي، باعتماد تأخر سن الزواج بدلاً من العنوسة، واعتبروا الأخيرة، إحدى أنواع العنف المسلّط عليها.



الظاهرة في أرقام



وفي سياقٍ ذي صلة، أوردت الإذاعة الهولندية «هنا أمستردام» ، تقريراً جمّع إحصائيات مراكز الأبحاث، والمنظمات غير الحكومية الناشطة في المنطقة، كشفت  فيه عن ترتيب  أعلى دول عربية في معدّلات تأخر سنّ الزواج بين الفتيات، وأظهر أنّ أقل نسبة كانت في فلسطين 7%، مقارنةً ببقية الدول العربية تلتها البحرين25%، ثمّ اليمن 30%، فالكويت وقطر وليبيا 35%، ومصر والمغرب 40%.



أمّا السعودية والأردن، فقد بلغت نسبة تأخر سن الزواج فيهما45%، والجزائر 51%، تونس 65%، العراق وسوريا 70%، الإمارات 75%، في مقابل ذلك تذّيلت لبنان الترتيب بنسبة بلغت 85%.



’’تبقى الإحصائيات والدراسات البحثية حول هذا الموضوع نسبية، نظراً لتعدّد أبعاده، وتداخل جوانبه، خاصة وأنّ الظاهرة لا تتعلّقُ بالمجتمع فحسب، بل تتعلّق أيضاً بالمرأة في حدّ ذاتها، بعد أن تغيّرت نظرتها لمنظومة الزواج، الذي يُعد من أهم التفاعلات الديناميكية التي تتحكم في سيرورة الحياة الاجتماعية’.



هي والزواج



“آمال” (38عاماً) تعملُ في الشركة التونسية للكهرباء والغاز، تقول ” خيّرتُ أن أُنهي دراستي الجامعية والبحث عن عمل، على أن أجلسَ في المنزل وأنتظر فارس الأحلام، هدفي في الحياة أن أكُون عنصراً فاعلاً في المجتمع، وأساهم في نهضة البلدي، لا أن أبقى في حاجة لمن يعيلني (..) والارتباط جزئية من جزئيات هذه الحياة”، مضيفةً ” الزواج لا يرتبط بعمر معيّن، بعد أن حقّقتُ ما أطمح إليه أنا منشغلةٌ الآن بتحضيرات زواجي العام المقبل.”



من جهتها، تُرجع مروى (37 عاماً)، تأخر زواجها إلى أنّها المعيلةُ الوحيدة لعائلتها، فبعد اتمامها للدراسات الجامعية، وعدم حصولها على وظيفةً في القطاع العام، وجدت نفسها في إحدى محلات بيع الملابس الجاهزة، قائلةً: ” وضعيتي الاجتماعية أجبرتني على الخروج للعمل، من أجل تلبية حاجيات أهلي، ومساعدة إخوتي في مصاريف الدراسة (..) أنا غير قادرة على توفير المال  لمستلزمات الزواج”.



في مقابل ذلك، تؤكد سهام (30عاماً)، أنّ الزواج منظومةٌ سجنيةٌ تُقيّد فيها الزوجة، وتُكبّل بالأشغال المنزلية، ورعاية الأطفال،  وتُفني المرأة ما تبقى من عمرها  في تلبية رغبات الطرف الآخر، دون أن يقدّر جهدها وتضحيتها.



’’واستناداً على أغلب الشهادات يمكن القول، إنّ عزوف الشباب عن الزواج، مردّه تأجيل الارتباط إلى حين إنهاء التعليم الجامعي وتحصيل وظيفة (الاستقرار المادي)، من أجل مجابهة تكاليف الزواج المرتفعة، إضافة إلى الانفتاح الحضاري الذي أثّر نوعاً ما في وعي الشباب، من خلال تعدّد العلاقات العاطفية، التي أصبحت في مرحلة متقدمة، عائقاً أمام اختيار الشريك’’.



تحليل نفسي



الدكتور في علم النفس “عماد الرقيق”، أرجع في تصريح لمجلة “ميم”، انتشار ظاهرة تأخر سن الزواج  إلى عدّة عوامل منها، ما يسمى بعدوى العزوف، أيّ أنّ الطرفين يخافان من الإقدام على الارتباط ، خوفاً من تكرار تجارب الفشل العاطفي، أو تأثراً بحالات الطلاق التي تصاعدت وتيرتها في السنوات الأخيرة .



واعتبر الرقيق، أن تردّي الأوضاع المعيشية، وغلاء الأسعار،  وانتشار البطالة عوامل قلّلت من قدرة الرجل على مجابهة متطلبات الحياة الزوجية، إضافة إلى



ما تفرضه العادات والتقاليد المتعلّقة بالزواج ، كغلاء المهر والمسكن،  التي تثقل كاهل الشاب، فبات الأخير ينظر إلى الزواج الغربي على أنّه الملاذ والمثال.



بدورها تشكّل الحروب ومناطق التوتر، بيئةً تنتشرُ فيها الظاهرة بكثافة، حيث بيّنت الدراسات، أنّ سوريا، العراق، واليمن، بلدانٌ عرفت مؤخراً ارتفاعاً في تأخر سنّ الزواج بسبب النزاع المسلّح، الذي أودى بحياة آلاف المدنيين وخاصة منهم الذكور، وأحدث خللاً في التركيبة الديمغرافية للمجتمعات، كما ساهم في تأزم الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة في صفوف الشباب الذين أصبحوا عاجزين على بناء أسر.



الأثار التبعات



وعن تبعات الظاهرة، شدّد الدكتور “عماد الرقيق”، على أنّ عزوف الشباب عن الارتباط وتأخر سنّ الزواج، له تداعيات على المستوى الفردي متمثلة في: فقدان التوازن النفسي، العزلة والانطوائية، التسرّع في الزواج وذلك للخلاص من شبح العنوسة، ويترتب عنه في أغلب الأحيان الطلاق المبكر.



كذلك عدم الاستقرار العائلي والجنسي، الذي يؤدّي بدوره إلى تراجع مؤشر السعادة لدى فئات الشباب إناثاً كانوا أم ذكور.



كما تأثّر الظاهرة مباشرة في الوسط الجمعي عموماً، من خلال ضعف الروابط الاجتماعية (المصاهرة) والتفكّ الأسري، إضافة إلى تهرّم المجتمع بسبب تراجع نسب الولادات.



تأخر سنّ الزواج في العالم العربي، معضلةٌ لدى البعض يصعب حلّها في ظل غياب آليات لمعالجة أسبابها من القاعدة إلى الهرم، أيّ أنّ الإشكال مرتبط بالعوامل النفسية، الاجتماعية، والاقتصادية، في حين يراها البعض الآخر، اختيارا شخصيا نابعا عن إيمان بفكرة ما، ووليد تحوّلات مجتمعية قائمة على التحرّر يَستبدل فيها الشاب أو الفتاة، العلاقات خارج إطار الزواج بالالتزام الأسري.



إقرئي أيضا

تابعي أهم وآخر الأخبار على مجلة المراة