عروس..ٌ ولكن!

عروس..ٌ ولكن!
  • عروس..ٌ ولكن!
1 صورة

سأتجاوز كلمة عروس التي تُطلق دائما على البنت في جميع مراحل حياتها، فهي عروس رياض الأطفال المهذّبة، وهي العروس التي تُطيع والدتها وتساعدها في شؤون البيت، وهي العروس إن لبست فستانا بهيّا جديدا، إلى أن تصل إلى العروس الحقيقية التي ستُزف بالأبيض وتصير زوجة لفلان على سنة الله ورسوله.



والعروس – الأخيرة في تعريفها- يحق لها ما لا يحق لغيرها، حلال لها كل شيء، وحرام عليها أن تُنقِص

 شيئاً، يعاملها الجميع كأميرة انبثقت من قالب كُسِر بعدها، تُنسى الآيات والأحاديث في حضرتها، وتُنسف العادات وتُتجاوز إلا في حضرتها، إن أرادت شيئا فهو لها لأنها عروس، وإن أرادت تجاوز شيء والتغاضي عنه فلا يجوز لأنها عروس، وللتوضيح؛ كلمة شيء المكرّرة هنا أقصدها بكل ما يستوعبه المعجم اللغوي من شيء! دينيا ومجتمعيا وخلقيا وتقاليديا وماديا ومعنويا ووووو… ما يخطر في بالك وما لا يخطر!



الجميع يترصد للعروس، والكلّ يترقب آخر صيحات العروس، فهي كشريحة فحص وُضعت تحت مجهر بدقة متناهية، فأر التجارب لعائلتها لتنساق بنات العائلة على وقع خطاها حين يصبحن عرائس، أو هي النسخة المحسّنة من عرائس العائلة والجيران، فبنت فلان ليست بأفضل منها، وبنت علان عملت كذا فيجب عليك أنت العروس الجديدة والأنظار كلها متجهة نحوك بأن تفعلي أحسن منها، وقولي لي أيتها الحسناء ماذا ينقصك لتكوني أفضل منهن وتصيرين نشرة أخبار رأس كل ساعة على ألسنة الجميع!



وهنا مربط الفرس، وبالعاميّة ” هون حطْنا الجمّال” فالهدف والغاية والتطلّع للناس وأعينهم وألسنتهم، وكأننا في مبارزة من الأفضل، وأيهنّ حصدت مهراً أغلى، ومن منهنّ كانت طلّتها أبهى، أي القاعات أفخم، وكم عدد الحقائب المنقولة معك إلى دولاب الزوجية، ومَن مِن بنات الدنيا عروس مطيعة لحماتها، تمسك – حماتها- بيدها كحقيبة أينما حلّت ونزلت، تتباهى بها في النظافة واللطافة والأناقة والـ ” عياقة”، هي كِنّة البيت المدللة، قطة لها لسان تأكل ولا يتكلّم، وغيرها الكثير من الأمور، التي وإن درسناها وتقربنا حقيقة من صاحبة الشأن – العروس- لصُدمنا بعدم إدراكها لما تفعل، فحيناً تفعل ما تملي عليها أمها وصديقاتها السابقات لها في كيد العرائس، وحيناً تشعر بالنقص والخجل بعد مقارنة نفسها بغيرها من العرائس فتضطر لمجاراتهن، وأحياناً لا بدّ لكيدها أن يشغل شغله – فلا أحد أفضل من أحدٍ-!



آسف أنا كأنثى أولاً، وكعروس ثانيا بالذي يصير بنا ومعنا وحولنا ولأجلنا، وإن أردنا وضع النقاط على الحروف، وصوّبنا النتيجة لأسبابها، وكِلنا بمكيال الأمانة لهذا الميزان، فغالب اللوم يقع على كاهل أهل البنت العروس بداية، ومن ثم على شخصية العروس بحدّ ذاتها، وأخيرا على “العاهات والتقاليد” المجتمعية المقيتة.



وتفصيلاً لكلّ سبب:



أهل العروس: بتربية بناتهن على المنع في كنف العائلة وتأجيل جواز الممنوع نفسه لبيت زوجها، يغرسون بهن منذ الصغر أسلوب المقارنة مع غيرهن من بنات جيلهن، يتغاضون عن تعليمهن الرضا والقناعة والتدبير، لا سيّما وإن كان – الأهل- فقيري المال أو لا يستطيعون تلبية رغبات بناتهن الكاملة، فتدخل الواحدة منهن على عش الزوجية وكأنها امتلكت بنكاً مركزيا، أو حازت على مفتاح خزنات قارون!



العروس: بعدم محاولتها تربية نفسها بنفسها، والشعور بمال شريك حياتها وتقديره، وغيرتها الشديدة من صديقاتها وقريباتها العرائس، وعدم قناعتها ورضاها، وحبها للتباهي والتفاخر، فوالله بئست هذه الصفات التي تدمّر البيوت وتفسد العلاقات!



“العاهات والتقاليد”: لا شك في أنّ ما حُمِد من العادات تُعامل معاملة الشرع في موطنها، إن كانت تُيسّر ولا تُعسّر، تُهوّن ولا تُهوّل، تُخفّف ولا تُعظّم، ترأف ولا تشقّ، لكن تلك العادات التي نُسيّرها وقت شئنا لمصلحتنا ولتسدّ رمق غرورنا ومباهاتنا أمام الناس، فسُحقت وسحق من يتماشى معها!



أما أنا، وأنت عزيزتي العروس، قولي لهم جميعا نعم أنا عروس، لكني لن أتجاوز شرع الله عند مصفّف الشعر، لن أتهاون بتعب ومال زوجي وأسرفه على ما يلزم ولا يلزم، لن أّنكّد على نفسي وزوجي لأسعد من يراقبنا من الناس، لن أهدم عشنا من أجل عادات اخترعوها وقالوا فيها ” بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا”، نعم نعم أنا عروس، لكني لن أتباهى بعدد الحقائب المنقولة لبيتي الجديد، لن أتباهى بأفخم قطع الأثاث ليرضى الزوّار، لن أكدس ملابس لن أرتديها فقط أشتريها للمنظر، لن أتشنشل بالذهب غرورا، لن أحجز أفخم القاعات وأغلاها وأفضل المصممين لتزيين وترتيب حفل زفافي، نعم أنا عروس لكن لن أرابط على ثغور بيت زوجي لأقنع الناس بطيب علاقتنا، لن أعدّ المشاوير والهدايا من زوجي وأصورها لأنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، نعم أنا عروس لكني بعيدة عن زيف العلاقات ونفاق المواقع الإلكترونية.



نعم أنا عروس، لكن لي شخصيتي وكياني، لن أمسخ نفسي عن حياتي ومواهبي وأهدافي من أجل العرس!، لن أتخلى عن عملي من أجل العرس، لن أبلور نفسي لأصير امرأة تسرح وتمرح في بيوت الناس ودواوين الزيارات تتباهى بأناقتها ومأكولاتها.



نعم أنا عروس، لكني ما صرت كذلك إلا بدءاً للدرب لا نهاية للطريق، فما ألطف الكلمة وأبهاها، وما أكبر ما يقع عليها، فليس بشيء أصعب من بناء حياة جديدة وأسرة جديدة على أسس صحيحة لتكون لبنة صالحة وبذرة يانعة لمجتمع ينتظر تلك البنت في مهدها لتكبر وتصير ” عروسا”



وختاماً، إنّي داعية فأمّنوا ” اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء العادات والتقاليد، وسوء التقليد، وديوانية الصديقة عملت، وبنت العم سوّت، وبنت الخالة اشترت، وبنت الجيران تشهونت، وزميلة العمل تبغدَدت، وسيمفونية ” كل البنات”، ونسألك الرضا والقناعة أبداً ما حيينا!



إقرئي أيضا

تابعي أهم وآخر الأخبار على مجلة المراة