دائما تواجهنا هذه الأسئلة، عند الحديث عن رفضنا لعمل المرأة:
1-ماذا لو كانت الأسرة محتاجة ماديّا؟
2-ماذا لو أصاب الزوج أيّ مكروه عاقه عن العمل؟
3-ماذا لو طلق زوجته، وتركها تتخبط بين المحاكم استجداء لنفقة زهيدة لها ولأولادها؟
4-ماذا لو مات وترك لها أطفالا صغارا؟
في كلّ هذا كيف تواجه المرأة الحياة؟.. هل تتسوّل أم تبيع شرفها؟
وللردّ على هذه النقاط يجب أن نتساءل:
1- في المواقف المماثلة، ماذا كانت تفعل المرأة طوال التاريخ، علما بأنّها لم تكن تحمل شهادة ولم تكن لها وظيفة ذات مرتب ثابت، ولم تكن تتقاضى معاش زوجها، ولم تكن هناك تأمينات اجتماعيّة؟
2-هل يجب أن نضحي بالمجتمع كلّه على وجه اليقين، في سبيل بعض الاحتمالات؟
3-ما الذي جعل الأمور معقّدة هكذا في هذا العصر؟
ولتسهيل الإجابة، فلنلاحظ ما يلي:
1- الدولة وبيت المال كانا مسئولين عن رعاية الأرملة والمطلقة ومن عجز زوجها عن إعالتها... هكذا كانت تُعزّ الدولة الإسلاميّة نساءها.. وفي أيّام الخلافة العثمانيّة، كانت المحاكم الشرعية توفّر بيوتا لرعاية المطلقات والأرامل اللاتي لا يجدن من يعولهنّ، لحين زواجهن من جديد، أو لنهاية حياتهنّ... والأولى أن تطالب النساء بعودة هذا النظام، بدلا من المطالبة بالمساواة المزعومة والبهدلة في العمل المرهق.. إنّ حوالي خُمس الأسر المصريّة تعولها النساء، وهنّ يعانين اسوأ الأوضاع الإنسانيّة، رغم كلّ ما تتشدّق به الحكومة المصريّة من شعارات حقوق المرأة!!!!!!!!!!
2- المجتمع والعائلة كانا خطّ الدفاع الثاني.. فالعمّ كان يتكفّل بزوجة أخيه وأولاده في حالة وفاته.. والخال كان يتكفّل بأخته وأولادها في حالة طلاقها.. ومع انتشار تعدد الزوجات وسهولته، كان أحد الأقارب يتطوع للزواج منها لكفالتها.
3- كان نظام المجتمع يضمن للمرأة الزواج المبكر (14 – 18)، وهذا معناه إنجابها للكثير من الأطفال.. فلو طلقت أو مات زوجها مبكرا وأطفالها صغار، ففي الغالب سيكون والداها على قيد الحياة لرعايتها.. أمّا لو حدث هذا بعد فترة من الزواج، فسيكون لديها طفل أو أكثر تجاوزوا العاشرة من العمر، وهم في المجتمعات القديمة لم يكونوا عالة في نظام تعليم عقيم يستنزف ثلث العمر، بل كانوا يخرجون للعمل والكسب وإعالة الأسرة (ما زال هذا يحدث في صعيد مصر، وتحارب الدولة بضغوط عالميّة للقضاء عليه!!!!!!!!!!!!).
كما أنّ زواجها المبكر يضمن لها أنها ستكون ما زالت في قمة أنوثتها ومرغوبة، في الفترة التي يكون فيها أطفالها صغارا، وهذا معناه فرصة أكبر للزواج برجل يعولها وأولادها.
من كلّ ما سبق يتضح أنّ المنظومة الحضاريّة اللعينة القائمة لم تجلب للمرأة سوى التعاسة، وللمجتمع سوى الخراب:
1- فالمرأة اليوم تمرّ بفترة مراهقة طويلة تُحرم فيها من احتياجاتها العاطفيّة والغريزيّة وأمومتها، بسبب نظام التعليم المملّ، الذي أدّى في كلّ مكان بالعالم لارتفاع متوسط سن زواج المرأة إلى سن 25 وكثيرا ما يصل إلى 30.. هذا بخلاف العنوسة!
2- وهذا التأخّر في الزواج يؤدي إلى مشاكل معقدة، ليس على مستوى الصحّة النفسيّة والإنجابيّة والأخلاق فحسب.. فمثلا: لو لم يحدث الإنجاب، واتضح أنّ السبب من الزوج.. فإنّ الزوجة في الغالب لا تأخذ قرار الانفصال إلا بعد عشر سنوات من الزواج على الأقلّ، تكون قد يئست بعدها نهائيّا من علاجه.. هنا تكون قد جاوزت الخامسة والثلاثين من عمرها وفرصتها في الزواج مجددا والإنجاب فيه قد تضاءلت.. طبعا سيختلف الأمر كثيرا لو كانت قد تزوجت في سن 16 مثلا!
3- ولو طلقها زوجها أو مات، فإنّ عليها رعاية أطفالها إلى أن يحصلوا على شهاداتهم الجامعيّة، حتّى لو عملت في سبيل ذلك خادمة، فلا يمكن أن تفكر في تشغيل أولادها حتّى لا يخسروا فرصتهم في الحياة من وجهة نظرها!.. وفي هذا المجتمع المريض، تمزقت الأسر وتباعدت، ولا يوجد خال أو عمّ يستطيع أن يعول أولادها فوق أولاده، ناهيك عن أن يجد الوقت... وأصبح تعدد الزوجات نادرا، لأسباب اقتصادية قبل أن تكون مجتمعيّة.. وبالتالي تجد نفسها تدور في حلقة مفرغة وتُفني زهرة عمرها وترهق نفسها في العمل، لتعول شبابا هم أولى منها بالكفاح، بينما هم يحفظون مجموعة من المناهج العقيمة لتفريغها في أوراق الإجابة!
1- كلّ هذه الظروف تعيها المرأة وترتعب منها، لهذا فإنّها تتشبّث بالوظيفة كأنّها حصنها الحصين.. والمفارقة المضحكة المبكية في هذا، أنّ هناك تغذية مرتدة موجبة Positive Feed Back بين عملها وظروف المجتمع:
فعملها يسلب شابا فرصة عمله، فيتأخر زواجه، فتفسد أخلاقه، فتزداد الجريمة، ويفقد المجتمع خيرة العقول والسواعد، ويختنق الاقتصاد وتزداد العنوسة، وتزيد الفاحشة، وتزيد المشاكل الأسريّة بسبب غياب دور الأمّ في متابعة الأبناء، وتزيد المشاكل مع الزوج بسبب الضغوط المضاعفة على المرأة، وتزيد نسب الطلاق، وتزيد مشاكل الأطفال الماديّة والمعنويّة، فتتأكّد أهمّية العمل كاحتياج ضروريّ للمرأة، فتتقدّم نساء جديدة لتسلب فرص الشباب في العمل، فيتأخر سنّ زواجهم.......... وهكذا دواليك، في تصاعد مستمرّ لحجم المأساة!
والآن... يجب أن نقف وقفة:
1-أنا أقدّر دواعي خوف المرأة.. ولكنّي أذكّرها أنّ الرزق بيد الله سبحانه.
أذكّرها كذلك أنّ العمل المؤسّسيّ ليس هو الطريقة الوحيدة لكسب المال.. وهناك بدائل فعالة اقترحتها في المقال المسمّى: بعض البدائل.
2- يجب أن نعي أنّ مشاكلنا كأفراد لن تنتهي أبدا إلا بتغيير شكل المنظومة العقيمة الحاليّة.. إنّ الغرب لم يكن يمزح حينما ثبّت هذه المؤسسات والنظم في مجتمعاتنا قبل أن يرحل، فقد كان يعلم تماما أنّها ستدمّر كلّ ما توارثناه من قيم وأخلاق وعادات وعقائد بالتدريج.. وكان هذا واضحا في تجربة الغرب نفسه، الذي تحوّل من دول تحرّكها الكنيسة، إلى دول تشيع فيها الفوضى والإباحيّة والتفسخ الأسريّ.
3- وإلى أن يحين الوقت الذي يتمّ فيه تغيير المنظومة الحاليّة ومؤسساتها وقيمها، فيجب أن نعمل نحن على تكوين نواة هذا التغيير:
- بالسعي لإعادة الزواج المبكّر، بل وتعدد الزوجات للقادرين.
- بمكوث المرأة ببيتها لتربية جيل التغيير، والعمل من داخل البيت للمساهمة في زيادة دخل الأسرة.
-بدفع الأطفال للعمل المبكّر بجوار التعليم ـ ولو على حساب درجاتهم الدراسيّة التي لا يجب أن تفزعنا بهذا الشكل ـ لتنمية جوانب شخصيتهم باتزان.
بخلاف هذا سنظلّ نصرخ ونشتكي، في حين أن مشاكلنا تتفاقم لما لا نهاية!